أثار مفهوم عمارة المساجد جدلاَ واسعاَ في الأوساط المعمارية في السنوات الأخيرة، عقب انسياق العالم لموجة من التمرد المعماري مما أدى لظهور مجموعة من “المعماريين المتمردين” كما لقبهم دافيد هارفي. وأصبحت الصورة الذهنية لمسجد المستقبل مشوشة وغير واضحة للعامة قبل المعماريين ومن هنا لزم إعادة النظر في ماهية مستقبل عمارة المساجد من حيث مرونتها المكانية والوظيفية. في هذه الاثناء، أصبح العامة يبحثون عن الملاذ الأخير لكل من يأمل بالمدينة الفاضلة -اليوتوبيا- هرباً من سجنه بجدران الحياة ليتذوقوا لذة الحرية. ولكن! هل سيجدون ما يبحثون عنه داخل أروقة المساجد؟ سؤال يستحق التأمل… ولذلك فقد طوعت السطور التالية لتناول تلك الإشكالية وعلاقتها بالتجربة البشرية.
ففى عام 622 ميلادياَ تم بناء المسجد النبوي كمسجد مركزي للمدينة. وقد كان المسجد بمثابة مركز اجتماعي وملتقى دينيا ومعهد تعليمي ومنبر إعلاميا، فضلاَ عن دوره كدار عبادة ومصلى للمسلمين يتوسط المدينة. إيماناً بقدسية المسجد وخصوصيته، فقد كان يتمتع بتصميم فراغي متميز، حيث تم إحاطته بجدران كحدود أفقية يعتليها تغطية جزئية رأسية كغطاء بهدف الحماية. لذلك فإن المسجد يعتبر مشروعاً معمارياً ذو خلفية اجتماعية، حيث يلجأ الكثير له لحل مشاكلهم او للإبداء برأيهم في أمور العامة بحرية. لذلك يعتبره الكثير من المستخدمين فراغاً مثالياً ومثالاَ حىياً لإدراك اليوتوبيا المفقودة. ارتبطت عمارة المساجد بحلم اليوتوبيا لما لها من سحر روحاني يؤثر في النفوس ويمس القلوب، ناهيك عن كمالها الحدي لما لها من مرونة مكانية تعزز الإحساس بالحرية.
وتنقسم خبرات المرء لما يخص مشروع عمارة المساجد إلى: رحلته إلى المسجد ورحلته بأروقته ورحلته مرورا به، حيث يجتمع الأطوار الثلاث سعيا ً وراء إدراك كمال الصورة المثالية للمسجد. ففى الرحلة الأولى يدخل الناس أفواجاً لأداء فريضة الصلاة، ومن الصلاة تأتي الصلة فتتعلق القلوب بما استشعرته من روح الكمال من خلال روحانية المصلي مع ربه، أما الثانية، يأتي الناس طوعاً لأروقته أو محيطه للتسوق والتعلم والتـواصل. أما الثالثة، يصبح الممر العام للمسجد دلالة استرشادية بالمكان مما يؤكد هيمنته على البقعة التى يقطنها وإن كانت بطريقة غير مباشرة. وعلى مر التاريخ، تشابهت واختلفت تلك الرحلات فلكل حقبة سمة. فقد كان المسجد جامعاَ وجامعة وقاعة اجتماعات للمشورة فى الشؤون السياسية والتحديات الاقتصادية والاحتفالات الاجتماعية، كما كان ملجأً ومأوى وفندق ومشفى. فقد وجد المسلمون فيه كمالاً لحاجاتهم الدينية والدنيوية كما لبى المسجد احتياجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. فيمكن اعتبار المسجد صرحاً اقتصادياً واجتماعياً بقدسية دينية. فهل يمكن لمبنى بسيط معمارياً وإنشائياً أن يحمل على عاتقه كل هذه المهام الحيوية؟ لذلك فان إجابة سؤال المقالة يمكن أن يكون في معظم الحالات بالإيجاب، حيث أن الكثير من المسلمين يجدون بين فراغات المسجد الفراغ المثالي (يوتوبيا) ولهذا يحمل المسجد فى طياته تصميماً معقداً رغم بساطته.