تستأثرالمساجد بطابع تاريخى خاص و ثراء معمارى يفوق سائر المبان ٍالمعمارية . فهى لا تقتصر على كنيتها كدار للعبادة فحسب؛ بل تحمل فى طياتها توثيقا دقيقاً لتاريخ الحضارة الإسلامية على مر عصورها ، حتى رسخت لنفسها دلالة رمزية فى الجمع الذهنى للمسلمين و العالم أجمع لذلك تحرص عمارة المساجد المعاصرة على بث روح التنافس للكشف عن الثراء المعمارى الكامن فى المبانٍ المذكورة باستعراض كل ما أثمرت عنه التعددية الثقافية لشعوب العالم الإسلامى، و التي نتج عنها التنوع المشهود فى أشكال المساجد فقد أسهمت كل ثقافة فى دمج حضارتها السابقة بالمفهوم العام لعمارة المساجد؛ للتعبير عن هوية مساجدها. يعبر مصطلح الإقتباس التاريخى عن تلك النهج الفكرية و العقائدية المتعارف و المتفق عليها بين أفراد المجتمع الواحد، و اللتّي تعكس خلفيتهم الثقافية أو المعمارية و تميزهم عن أقرانهم. و قد قسمت إتجاهات تصميم المساجد اعتباطاً إلى أربعة فئات وهم؛ الإقتباس التاريخى و العمارة العامية و العمارة الإقليمية و العمارة الحديثة . أما عن الأخيرة فهو مصطلح ملتبس يشير إلى النهج المعاصرة و التقنية العقلانية بمنظور عالمى لمفهوم المنتج المعمارى. و بالرغم من محدودية التقسيم إلا إنه مازال يعتد به كأداه تحليلية ناجحة فى استنباط الانماط النقلية المتعارف عليها فىما يخص عمارة المساجد المعاصرة. ستقدم المجموعة التالية من المقالات نظرة عامة عن كل ثقافة من هذه الثقافات – على حدا ولكنها غير ذاتية – موضحة تأثيرها على عمارة المساجد المعاصرة.
تعد الإقتباس التاريخى لطرز العمارة هى أول فئات تلك الإتجاهات الشائعة، فهى تنم عن الطراز المعمارى الجامع لمبانٍ بعينها على مر العصور و عبر مساحات جغرلفية شاسعة بمختلف مرجعياتهم الإجتماعية، و ما لها من تأثيرات ثقافية ذات بصمة واضحة فى عمارة المساجد . تعتبر تلك الفئة من أهم مصادر الإلهام في مجال عمارة المساجد لما لها من ملكة فى إحياء فن العمارة آيان العصور الذهبية للحضارة الإسلامية، و استحضار ميزة من طراز واحد أو أكثر مدمجة فى تصميمات عمارة المساجد المعاصرة بما يتواءم مع روح العصر. لذلك تعتبر هذة الممارسة بمثابة إحياء الطرز الإسلامية المندثرة ما قبل القرن العشرين؛ حيث تبث روحها فى مساجد العصر الحديث. بمعنى آخر، تلك الممارسة ما هى إلا امتداد فكرى ينبع من الحنين إلى عصور الفن و الجمال فى أوج حقب الحضارة الإسلامية. فهى تهدف إلى إحياء تراث العمارة الإسلامية اللذّى جرفه طوفان التطور المعمارى المزعوم بالقرن العشرين. فطالما وٌصِمَت بالتطرف والتجنى على العمارة الحديثة، و قولبتها فى بوتقة التيارات الهدامة للمسارات الطبيعية لتطور فن العمارة . على صعيد آخر ، لا ترى المنظومة المعمارية فى بلاد الغرب هذا الإتجاه سوى انه إشكالية معمارية وجب التغلب عليها.
و ظهر مصطلح الطرز المعمارية مع ظهور المؤرخ الفنى ألويس ريغل ؛نمسي الجنسية فى القرن التاسع عشر ، ثم انتشر انتشاراً سريعاً ليصبح نواة الخطاب المعمارى فى بريطانيا و سائر بلاد الغرب. و سرعان ما لقت هذة الفكرة حدفها فى القرن العشرين مع ميلاد النزعات الفردانية المعمارية التى كفلتها العمارة الحديثة، و اللذِّى انقلب على الطراز المعمارى الإحيائى؛ أحد نهج طرز الفنون الجميلة اللذى نشأ فى فرنسا ليعبر عن الكلاسيكية الجديدة. من ثمة، وارى هذا الجدال القائم الثرى ليحل محله ما ابتدعه باوهاوس من أجل الدمج بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية لتحقيق شمولية الإبداع والتصنيع ، و إعلاء قيمة التجربة كأقصر سبيل لحل المشكلات ، و التحررالتام عن الإحيائية التاريخية. أما عن الشرق المسلم، فقد ازدهرت و ترعرعت الطرز المعمارية التاريخية ، للتأكيد على الهوية الإسلامية فى وجه الإمبريالية الغربية. لكن للأسف وقع نهج الإقتباس فى فخ التقليد، فكما ذكر الناقد المعمارى ناصر الرباط ، انتقل هذا الإتجاه من القياس إلى الاستنساخ؛ فأضحت المساجد أشكال مستنسخة من أسلافهم مع اغفال صريح لمواكبة روح العصر؛ مما لا يتفق مع ثقافة الإسلام فى شىء. أيضا، مع نقص المواد البنائية المستخدمة لتشييد تلك المساجد و الأيد الحرفية لتنفيذها على النحو المطلوب، افتقرت تلك الاستنساخات للجودة المعهودة و الأصالة المرجوة. الأمر المثير الاهتمام، أن تلك النماذج المعمارية للمساجد التى نجحت فى تحقيق المعادلة موجودة بالفعل فى البلدان غير الإسلامية، حيث حرصت المجتمعات الإسلامية الصغيرة هناك على إبراز هوية المكان كمخصصة إسلامية. فقد دفعتهم رغبتهم فى اثبات وجودهم، لاستعراض كل مظاهر العمارة الإسلامية بمختلف حقباتها على جدران مساجدهم مع إضفاء لمسات للاقتباسات الثقافية للطرز المتبعة بالعالم الإسلامى أجمع. .
و مازال الجدال قائماً و سيظل كذلك، ليثرى عمارة المساجد بشكل مباشر. و مازالت هناك فرصة لإحياء الإتجهات الثقافية المعمارية فى عمارة المساجد، إلا أنها لم تستغل بعد لتبقى فى منعزل عن حراك تطور النماذج المعمارية العالمية.