في البداية لابد أن أشير لعمل زملائي المتابعين لعملية ترشيح المساجد في جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد في دورتها الحالية فقد لفتو انتباهي لوجود أزمة في عمارة المساجد المعاصرة في مواقع مختلفة من العالم خصوصا عندما أصطدمو بشدة أمام جدار دول وسط أفريقيا التي يبدو أنها تواجه أزمة شاملة في التطوير العمراني بشكل عام وتطوير عمارة المساجد بشكل خاص. تتمثل الأزمة في أن الزملاء لم يستطيعو الحصول على مساجد يمكن ترشيحها للجائزة في قطاع عريض من الدول الأفريقية وهذا يعني أن هذه الجائزة يمكن أن تكون غائبة عن دول تسكنها غالبية مسلمة لأنه لا يوجد فها إطار عام يدعم عمارة المساجد، وهذا جعلنا نعيد التفكير مليا في الهدف الذي نريد أن نحققه من وجود هذه الجائزة. فإذا لم يتسنى لنا تغيير الواقع الصعب فإن دور الجائزة سيظل محدودا. الأسئلة التي صرنا نسألها أنفسنا هي: ماذايجب أن نعمل وكيف نبدأ؟
دول وسط أفريقيا ومثلها دول وسط آسيا بدرجة أقل تواجه مشكلة مهنية نتيجة للواقع الاقتصادي المتردي، وكما هو معروف فإن عمارة المسجد مرتبطة بالبيئة الاقتصادية والمجتمع المهني والحرفي المتشكل في هذه البيئة تتطور بتدورها وتتراجع بتراجعها خصوصا إذا كان حدث إنفصام مع المعارف والتقنيات المعمارية التاريخية المحلية. الملاحظة المهمة التي خرجنا بها من خلال عملية الترشيح للجائزة هي التحول الكبير الذي حدث في المكون الحرفي في وسط أفريقيا حيث بدأت المجتمعات المحلية تتخلى عن معارفها التقليدية في البناء وتستبدلها بمعارف والمواد الحديثة التي لا يسعف السوق والواقع الاقتصادي على تطويرها لذلك خرجت أغلب المساجد التي بنيت مؤخرا بشكل غير لائق ولا يتوافق مع المعايير التي تتوقعها الجائزة لعمارة المساجد المعاصرة بعكس المساجد القديمة والتاريخية في هذه المنطقة التي تعتبر أمثلة نادرة على مستوى العالم.
نحن أمام إشكالية مهنية معمارية فمن جهة بدأت هذه الدول تفقد مخزونها الثقافي والتراثي ويختفي من محيطها الحرفيين والعارفين بتقنيات البناء التقليدي ومن جهة أخرى هي دول ليست قادرة على استيراد التقنيات والمواد الحديثة، وبالتالي فإن الازمة الحقيقية تتمثل في أن المنتج الجديد لعمارة المساجد سيكون رديء ولا يتناسب مع التوجهات الجديدة التي يعبر عنها “مسجد المستقبل”. بالنسبة للجائزة تمثل هذه الأزمة أختبار حقيقي لإمكانية المساهمة في إحداث التغيير، ولعل أحد التوجهات المهمة التي نفكر فيها هي تطوير معايير لعمارة المساجد في وسط أفريقيا بالتعاون مع أحد المؤسسات العالمية التي لديها خبرة في العمارة والمواد المحلية من جهة وخبرة في في دول وسط أفريقيا من جهة أخرى. ونرى أن وجود مثل هذه المعايير سيرفع من جودة عمارة المساجد مع الأخذ في الاعتبار الواقع الأقتصادي الذي يتطلب الاعتماد بشكل كبير على الامكانات والتقينات المحلية.
التوجه المعماري الذي نريد أن تحققه المعايير لهذه المنطقة يجب أن تجمع التقنيات المحلية والحديثة، أي أن الهدف تطوير عمارة معاصرة للمساجد تعتمد على تطوير المعارف والتقنيات المحلية وتطعيمها بافكار وتقنيات حديثة ترفع من كفاءة المساجد. هذا التوجه قد يتطلب تطوير مجموعة من النماذج المرنة التي يمكن أن تتشكل وتتكيف حسب الموقع مع تأكيدنا على أن المعايير سوف تضع في حسابها خصوصية المواد المحلية في منطقة جغرافية شاسعة من خلال دراسة الانماط والتقنيات المعمارية التاريخية. الفكرة ليست حالمة وتحتاج بالتأكيد إلى تفاعل المجتمعات والمؤسسات المحلية وقد تتطلب تطوير برنامج تدريب على تطبيق المعايير والتعاون مع المعماريين المحليين المتواجدين في المنطقة وهم قلة، ولكن يمكن الخروج بنتائج تحدث تحول عميق في ممارسة العمارة بشكل عام وعمارة المساجد بشكل خاص في هذا الجزء من العالم.
لابد أن أقول أن الاجراءات المتشددة التي تتبعها الجائزة في ترشيح المساجد تمثل عملية إستكشافية مهمة وهي في طريقها لرسم خارطة واقعية لعمارة المساجد في العالم، ولا بد أن تساعد هذه الخريطة على بناء معرفي عالمي يسمح باحداث تغيير في واقع عمارة المساجد بدرجات متفاوته في مناطق العالم المختلفة. الجائزة إلى إحداث توازن والاستفادة من الدول التي قطعت مشوار طويل في تطوير عمارة المساجد وتوظيف هذه الخبرات والمعارف للمساهمة في تطوير المناطق الأقل حظا مثل وسط أفريقيا. بقي أن نقول أن هذا العمل يفرض وجود متطوعين ومهتمين من كل مكان لانجاح هذا المشروع الانساني/ الثقافي الهام.