اللغات

المكتبة

موسكيبيديا

معلومات

الابتكارات

الترشيح
العربية

قراءة نقدية مبكرة للمساجد المرشحة لجائزة الفوزان (2) – مصر وشمال افريقيا


أ.د مشاري عبدالله النعيم
ديسمبر 23, 2018

الإشكالية التي تواجهها المناطق التي كونت هوية بصرية تاريخية للمسجد هي صعوبة الإنعتاق من هذه الهوية حيث تعتبر قيد فكري ومهني يجعل المصممين لا يستطيعون تجاوز هذه الهوية بسهولة. نستطيع أن نعتبر أن التوجه في إعادة إنتاج الهوية التاريخية مرتبط بهذه المناطق على وجه الخصوص. هذه المدرسة الفكرية تشكل أهمية خاصة كونها تعبر عن الصورة الذهنية المحفورة في أذهان الناس التي يعرفون بها المسجد ويعتقدون أن عمارة المسجد لا تتحقق إلا بإعادة شكل المسجد تاريخا. هذا أدى مع الوقت إلى محاصرة العمل المهني المعماري في حدود الإتجاه المعماري الذي يوظف الأشكال التاريخية ويكررها بشكل واضح. الجائزة لا تتخذ أي موقف رافض لهذا الإتجاه لكنها في نفس الوقت تطرح مسألة مسجد المستقبل وعمارته التي يجب ان تخاطب التقنية والفكر المعماري المعاصر والمستقبلي. لقد لاحظنا ذلك من خلال المساجد المرشحة لنيل الجائزة لهذه الدورة خصوصا في مصر وشمال أفريقيا مع استثناءات بسيطة هنا وهناك إلى الدرجة التي واجهنا فيها صعوبة كبيرة للحصول على مساجد ذات تصاميم تحمل روح متجددة.

الإشكالية ليست في الطراز التاريخي ذاته، فقد لاحظنا أنه يوجد تصاميم ذات حس تاريخي عالي في مناطق مختلفة من العالم لكن تملك روح جديدة تجعلها معاصرة وتعبر عن الزمن الذي بنيت فيه. على أنه من الملاحظ ندرة من يستطيع أن يتعامل مع البعد التاريخي لهوية المسجد ويخرج تصاميمه من التكرار خصوصا في مصر وشمال أفريقيا وهذا جعل من البحث عن الأمثلة التي تعبر عن مسجد المستقبل نادرة رغم شهرة هذه المناطق بعمارة المساجد وارتباطها الوجداني بالناس وحياتهم اليومية. المساجد في تونس والجزائر والمغرب تهيمن عليها المئذنة المربعة المسقط وتكاد تكون هي العنصر الذي يعرف هوية المسجد في هذه المناطق حتى في الجامع الأعظم في العاصمة الجزائر ( وقد كنت احد محكمي مسابقة اختيار تصميم الجامع عام ٢٠٠٨م) كانت جميع المقترحات المتقدمة تحتوي المئذنة المربعة المسقط مع اختلاف درجة التفاصيل التاريخية بين تصميم وآخر.

يجب أن نقر هنا أن التصميم المعماري الذي تقوده قرارات وصور ذهنية مسبقة تجبر المصمم على استنساخ أشكال محددة غالبا لا يتميز بالمرونة الكافية التي تجعله تصميما يستوعب الأفكار والأشكال الجديدة وبالتالي تظهر المساجد ذات بعد زمني متشابه ودون محاولات واضحة للإبداع والتجديد. ما يميز المساجد المرشحة لنيل الجائزة أنها ترصد الوقع الفكري والمهني المرتبط بالمساجد، كونها تمثل عمارة رمزية راسخة في الأذهان يصعب فصلها عن امتدادها التاريخي وتمثل تحد حقيقي ضد التغيير التي تعيشه كثير من المجتمعات الإسلامية. يمكن النظر لعمارة المسجد هنا على أنها تمثل حالة السكون في تجديد الفكر حيث يتم تقديس الأشكال التي لا تملك قداسة وكان شكل المسجد المتعارف عليه أصبح واجب التكرار وأي محاولة لكسر هذا التكرار هي محاولة للتعدي على الثوابت.

ربما نلاحظ هذا في عمارة المساجد المعاصرة في مصر، إذ يبدو أن الحضور التاريخي المشوش يطغى على الممارسة المعاصرة في بناء المساجد ، ففي فترة سابقة كان لهيمنة الطراز المملوكي وإعادة إنتاجه دور بارز في تعميق الهوية البصرية للمسجد والتي جعل من الإنعتاق منها في غاية الصعوبة. محاولات التجديد المعاصرة يشوبها الكثير من التهجين الغير مفهوم أحيانا والذي أنتج بدوره أشكالا غرائبية للمسجد لا تنتمي فعلا للإتجاه التاريخي ولا تقدم جديدا يمكن التوقف عنده. ربما يحسب لمحاولات التجديد في عمارة المساجد في مصر ظهور بعض التجارب الخاصة لإعادة اكتشاف المعرفة والتقنية المحلية وإعادة إنتاجها بأسلوب معاصر. في اعتقادي أن هذا التوجه واعد ويمكن أن يساهم في تطور عمارة المساجد في مصر والعالم.

بشكل عام يمكن أن نقول أن عمارة المساجد في مصر وشمال افريقيا تتباطئ من حيث حضورها وتاثيرها ولعلنا نستثني المسجد الأعظم في الجزائر الذي يشكل تجربة فريدة من حيث الحجم والتقنيات المستخدمة وكثافة الوظائف الجديدة التي ألحقت بالجامع. هذا التباطؤ يعتبر ظاهرة ملاحظة في أغلب المناطق التي كان لعمارة المسجد فيها حضورا تاريخيا عميقا ولعلنا نستثني هنا تركيا، من هذا التعميم. والذي يبدو لنا أن قوة التأثير التاريخي لشكل المسجد في هذه المناطق جعل من الصعوبة بمكان الخروج عن قوة هذا الشكل وجعل الناس لا تتقبل أي أشكال جديدة وهذا عكس المناطق والدول التي لم يكن لشكل المسجد من الناحية التاريخية حضورا صارخا ومهيمنا. يبدو أن المساجد المرشحة في هذه الدورة يمكن أن تقدم لنا تصورا واضحا للواقع الفكري الذي يوجه إنتاج العمارة في الدول الإسلامية وهذا في حد ذاته يعتبر خطوة مهمة جدا لفهم مستقبل عمارة المساجد في العالم.

0