اللغات

المكتبة

موسكيبيديا

معلومات

الابتكارات

الترشيح
العربية

حدود المسجد المرنة


أ.د مشاري عبدالله النعيم
يونيو 7, 2018

الإنتقال من الداخل إلى الخارج وبالعكس في المسجد وتنوع فضاءات الصلاة يعتبر أحد ميزات عمارة المسجد وهذا ناتج في الاصل عن كون حدود المسجد مرنة ومتسعة ولا تقيدها قيود.  لقد لفت انتباهي فكرة فناء المسجد ولماذا أصبح عرفا معماريا أمتد منذ المساجد الاولى وحتى اليوم حتى عندما ظهرت المساجد العملاقة ذات القاعات المركزي ظل الفناء عنصرا أساسيا وليس كماليا بل هو فضاء للصلاة ومكان يمثل امتدادا لقاعة الصلاة المغلقة أو يصبح مكان للصلاة عندما يتحرك جدار القبلة ويتقدم ويكون في الفناء في أمسيات الصيف. يمكن أن أعزي فكرة تطور الحدود المرنة للمسجد لوجود صحن المسجد منذ البداية وهو عنصر أصيل وجوهري ولأنه لا يوجد عناصر مادية ثابته تحدد ماهية المسجد سوى موقع الامام نفسه لذلك أصبح التنوع الفراغي هو جزء من هوية المسجد المعمارية.

لقد جعلني هذا أفكر في موضوع “الحد المرن” وأقصد بالحد هنا هو جدار القبلة وموقع الامام (المحراب) الذي عادة ما يتحرك حسب الظروف داخل موقع المسجد المحدد وهو الأمر الذي يجعل من المسجد ظاهرة عمرانية وظيفية فريدة. وبالطبع هذه الظاهرة يدعمها مبدأ “جعلت لي الارض مسجدا وطهورا” وهو مبدأ يفتح الفضاء واسعا على المرونة المطلقة وطالما أن الحد الاساسي (موقع الامام) قد تحدد ومهما كان موقعه داخل قاعة الصلاة أو حتى خارجها فبعد هذا الحد يتم تعيين مكان الصلاة ويصبح المكان هو “المسجد” الوظيفي الذي تجوز فيها الصلاة.  ولعلنا نحتاج أن نفصل في هذا الموضوع قليلا فالمسجد بشكل عام كمكان وكمبنى يمثل مرجع وهذا لا خلاف فيه ولكن المسجد كوظيفة يعتمد على موقع المحراب وحركته داخل المسجد وهي وظيفة مرتبطة بوقت الصلاة فقط والذي يمكن أن يتغير من صلاة إلى أخرى.

لاحظت هذه الحدود المرنة بشكل ملفت للنظر في المساجد النجدية التي لا تشكل قاعة الصلاة المسقوفة فيها إلا منطقة صغيرة غالبا تستخدم في صلاة الظهر والعصر في أوقات الصيف وربما الشتاء بينما يتحرك المحراب إلى الفناء في ليالي الصيف ويصبح الفناء هو قاعة الصلاة الرئيسية بينما يتحرك المحراب إلى الخلوة في ليالي الشتاء.  هذه المرونة العالية تؤكد على أن فكرة المسجد في حد ذاته غير ثابته من الناحية “المادية” أي أن فكرة المكان والبناء ليست هي الاصل في عمارة المسجد، وإن كانت مسألة المرجعية المكانية مهمة بالنسبة لجماعة الحي وجماعية المدينة ولكن هذا لا يجعلنا ننسى الاصل العمراني للمسجد الذي يرتكز على المرونة المكانية والمعمارية المطلقة. وأنا على يقين أننا لو قمنا بدراسة متأنية للتجارب المتعددة لعمارة المساجد في البيئات المختلفة سوف تظهر لنا الكثير من الافكار المهمة التي تدعم فكرة الحد المرن للمسجد.

فكرة الحد المرن يمكن اعتبارها مبدأ مهم يميز مسجد المستقبل، ولو فكرنا كيف يمكن أن ينعكس هذا المبدأ على تفكيرنا التصميمي للمسجد ربما نصل إلى أفكار جديدة ومختلفة كليا عن هذا الجمود الفراغي الذي تتصف به مساجد اليوم، فلماذا لم نستطع أن نحقق ما حققته مساجد نجد التاريخية البسيطة والتي قد يراها البعض أنها بدائية بينما وصلت إلى درجة عالية من المرونة من خلال التجربة والتفاعل العميق مع المسخدمين وحاجاتهم عبر الزمن.  في اعتقادي أن “التراث الموازي” لعمارة المساجد يمكن أن يتشكل من خلال فهم التجارب التي يقدمها التراث التاريخي.  المهم هنا هو كيف يمكن أن نتعامل مع هذا المبدأ بأسلوب ابداعي مختلف، هذه هي المسألة التي تحتاج منا إعادة تفكير خصوصا في جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد فالهدف من الجائزة هو الخروج من الصورة الذهنية الراسخة في العقول عن صورة المسجد وبناء صورة مرنة وحرة تؤكد أن المسجد هو دار العبادة الذي يعبر عن روح العصركما هو الاسلام اللذي يعبر عن روح العصر مع محافظته على ثوابته.

4